للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه رجع أسيفاً حزيناً على أبيه، لأنه هو ولده، والرسول عليه السلام أدق الناس نظراً وأشدهم فراسةً قال: «هاتوا الرجل»، فقال له: «إن أبي وأباك في النار»، لا شك نحن يحزننا أن يكون والدا نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم - النار، ولكن حزنه عليه السلام عليهما أكبر وتأثره بذلك أشد منا بكثير، ولكن أليس هذا الاستسلام منا تبعاً لاستسلام نبينا بحكم ربنا العادل على الوالدين بهذا الحكم الشديد بالنسبة إلينا، والعادل بالنسبة لصدوره من ربنا في حقهما؟ هو كذلك ولهذا هنا هذا التقدير الإلهي امتحان من أشد أنواع الامتحان للرسول أصالةً ولأتباعه المؤمنين به تبعاً، هل يرضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقضاء الله وقدره أم يقول: لم أبي وأمي في النار؟، لا هو يرضى بلا شك، ونحن إذاً تبعاً له نرضى بما رضي هو به من قضاء الله وقدره، ثم إن الحكمة البالغة أن يتذكر الإنسان بمثل هذا الحكم الشديد على العواطف، عواطف المسلمين أن يرجعوا في أنفسهم إلى أن الأمر كله بيد الله، وأن لا أحد هناك يؤثر بجاهه ومنزلته على الله، وكما قال تبارك وتعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص:٦٨)، فإذاً تقدير الله عز وجل لمثل هذا الأمر، أبوا الرسول عليه السلام مشركان وفي النار لأكبر دليل على أن الواسطة البشرية بين الناس وبين خالق الناس لا تفيد إطلاقاً؛ لأن السلطة كل السلطة بيد الله تبارك وتعالى، فهو الفعال لما يريد، وهنا تأتي الآية السابقة التي ذكرنا: {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} (المؤمنون:١٠١)، ففيها [قطع] دابر الاعتماد على النسب؛ لأن المسلم لما يرى أن أبوي الرسول عليه السلام هذا مصيرهم بسبب كفرهم، فإذاً سوف لا يغتر أحد بأن يقول على خلاف ما قال ذلك الشاعر العربي، أيش قال، هات لنشوف:

لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب ... على الأحساب

<<  <  ج: ص:  >  >>