فلماذا لا يرفع الكوثري وأمثاله من الخلف رؤوسهم إلى هذه النصوص، ويظلون يصرون على أن السلف كانوا لا يفهمونها وإنما كانوا يُجرونها على ألسنتهم فقط دون تدبر لها وبيان لمعناها؟
والجواب: أحسن أحواله أن يكون حاله كحال الجويني الذي كان متأثراً بشيوخه من علماء الكلام، ولكنه لما كان مخلصا في علمه لله تعالى هداه الله تبارك وتعالى إلى عقيدة السلف في الاستواء وغيره مصداقاً لقوله تعالى:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} فهل كان الكوثري وأمثالُه من الطاعنين في أئمة الحديث والسلف مخلصين أيضا؟
من الصعب جدا أن نجيب عن هذا بالإيجاب؛ لكثرة ما نرى من عدائه الشديد - في كل تعليقاته - لأئمة السلف والتوحيد واستمراره على اتهامهم بالتجسيم والتشبيه وبصورة خاصة لابن تيمية منهم، مع رد هذا على المجسمة ومبالغته في ذلك في سائر كتبه، فلا نكاد نراه في صدد الرد على المعطلة إلا ويشرك معهم في الرد المجسمة كما يعرف ذلك كل من له دراسة لكتبه رحمه الله تعالى، ومن كلامه في هذا الصدد قوله في " الحموية "(ص ١٦٠):
"فمن قال: لا أعقل علماً ويداً إلا من جنس العلم واليد المعهودين، قيل له: فكيف تعقل ذاتاً من غير جنس ذوات المخلوقين؟ ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله ودينه ".
قلت: وهذا قليل من كثير من كلامه الذي يدل دلالة قاطعة على أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو منزه وليس بمشبه أو مجسم كما يفتري الكوثري، وقد نقل