البَصِيرُ} (الشورى:١١) أي: العليم، علمًا بأن الله عز وجل قد وصف نفسه في غير ما آية في القرآن الكريم بالعلم، فحينما يأتي أولئك المعتزلة الغلاة فيتأولون السمع والبصر بالعلم فذلك هو التعطيل الذي قال عنه بعض علمائنا المتقدمين كابن تيمية وابن القيم الجوزية رحمهم الله قالوا: المعطل يعبد عدمًا والمُجسِّم يعبد صنمًا.
على هذا الأساس من التنزيه والإثبات بدون تشبيه أو تأويل نقول في الآيتين السابقتين من استهزاء الله عز وجل بالمستهزئين بآياته وسخرية الله عز وجل بأولئك وأمثالهم إنما هو استهزاء يليق بالله عز وجل وليس من باب سخرية الإنسان بالإنسان، واستهزاء الإنسان بالإنسان، فالآية والأخرى كلتاهما يساقان مساق الآيات المتشابهات، نمرُّها كما جاءت مع الفهم السليم على ما كان عليه السلف الصالح بدون تشبيه، فهنا لا نشبه استهزاء الله بالمشركين كاستهزاء الناس بعضهم في بعض، وإنما نقول: استهزاءً يليق بالله تبارك وتعالى كما جاء تمامًا في الأثر الصحيح الثابت عن الإمام مالك رحمه الله أن رجلًا جاء إليه فقال: يا مالك! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(طه:٥) كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا الرجل فإنه مبتدع.
كذلك نحن نعلم أن الاستهزاء لغًة معروف وهو مقابل مقابلة المستهزئ باستهزاء من نده، ولكن الله عز وجل ما دام أنه ثبت لدينا يقينًا أنه ليس كمثله شيء، فلا نقول: استهزاؤه كاستهزائنا نحن كما قال مالك تمامًا: استواء الله عز وجل على عرشه معروف، ولكنه بلا كيف، والسؤال عن الكيف بدعة، لذلك أمر بإخراج الرجل على اعتباره إياه مبتدعًا، كذلك نحن نقول في كل آيات الصفات منها صفة الاستهزاء والسخرية معناهما معروف لغًة، ولكن ليس هناك تكييف ولا تشبيه، وهذا هو المنهاج في كل آيات الصفات وأحاديث الصفات.