للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كهذا الحديث حديث ابن عمر وأحاديث القبضتين التي كنتُ أخرجتها في أول المجلد الأول من السلسلة الصحيحة ففيها أن الله عز وجل لما خلق الخلق قبض قبضةً بيمينه -في عالم الأرواح -فقال هؤلاء بالجنة ولا أبالي، وقبض قبضة بشماله فقال هؤلاء بالنار ولا أبالي، لا تعارض ولا تنافي بين هذا الحديث وما في معناه من إثبات الشمال واليمين، وبين قوله عليه الصلاة والسلام: «وكلتا يدي ربي يمين»؛ لأن معنى ذلك كقوله تبارك وتعالى تمامًا في صفة السمع والبصر: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ليس كمثله شي يساوي كلتا يدي ربي يمين، وهو السميع البصير يساوي له يمنى وله يسرى، فتنزيهًا لله عز وجل وبيانًا أن صفات الله عز وجل لا تشبه صفات المخلوقات، قال الرسول عليه السلام في الحديث المذكور آنفًا: «وكلتا يدي ربي يمين» فنحن البشر نصف أنفسنا لنا يمين ولنا شمال، لكن هل يجوز لنا أن نصف أنفسنا فنقول كما قال بعض الوعاظ المصرِّيين مخاطبًا الرسول عليه السلام يقول في تعظيمه وفي مدحه: (يا رسول الله وكلتا يديك يمين)، هذا هو الضلال المبين، فلا يجوز للمسلم أن يصف نفسه إلا بما هو معروفٌ من بشريته فله يمين وله شمال، ولكن لا يجوز أن يصف بشرٍّ ما، مهما سما وعلا ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فيقول وكلتا يدي رسول الله يمين»؛ لأن هذه الصفة مما تفرد بها رب العالمين تبارك وتعالى، والأمر في الصفات كما تعلمون يوجد اشتراك لفظيٌ، بين صفات الله عز وجل وبين صفات العباد، الله سميع بصير كما سمعتم في الآية السابقة، ولكنه قال بالنسبة لآدم: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} لكن هذا السمع وهذا البصر يختلف تمامًا في حقيقتهما عن حقيقة صفة السمع والبصر كصفتين لله تبارك وتعالى، تأكيدًا لهذا التنزيه الذي ذكره الله عز وجل في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من هذا الباب جاء قوله عليه الصلاة والسلام:

<<  <  ج: ص:  >  >>