للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الله كان ولا مكان! وقد تنبه بعض المجادلين بالباطل لضلال هذا القول فلجأ إلى المراوغة، فقال: لا يقال: إنه في كل مكان، ولا: إنه ليس في مكان (١)، وهذا احتيال منهم في التعبير، يتظاهرون بذلك بالتنزيه، وهو يشبه قول أسلافهم من الجهمية والمعتزلة وأذنابهم من المعطلة: "ليس هو داخل العالم ولا خارجه"؛ ورحم الله من قال في أمثالهم: "هؤلاء قوم أضاعوا ربهم "! فلا يبعد أن يكون السؤال وقع باللفظين: "أين " و: "أتشهدين "، ويؤيده الحديث الثاني.

وإن مما يقطع ويؤكد ترجيحنا المذكور: حديث معاوية بن الحكم الذي وعدتُ بذكره، فإنه قد ساق قصة الجارية سياقاً تامَّاً رائعاً، لم يسقه غيره كسياقه، ولا غرابة في ذلك؛ فإنه سيدها، فقال- رضي الله عنه- في حادثة وقعت له وهو يصلي خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فسأله بعض الأسئلة، فأجابه عليها:

٥ - فقال رضي الله عنه:

"وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَلَ أُحُدٍ والجَوَّانِيَّة، فاطّلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فعظَّم ذلك عليّ، قلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟! قال: "ائتني بها"، فأتيته بها، فقال لها:

"أين الله؟ ".

قالت: "في السماء قال: "من أنا قالت: أنت رسول الله، قال:

"أعتقها؛ فإنها مؤمنة ".


(١) ويقول آخرون: الله موجود بلا مكان. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>