للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصل ضلال هؤلاء المتجهمة أنهم تأثروا بالمعتزلة والجهمية الذين ضلُّوا ضلالاً مبيناً؛ بإنكارهم كثيراً من الغيبيات المتعلقة بالله تعالى وصفاته، وذلك يعود إلى أمرين:

أحدهما: ضعف إيمانهم بالله ورسوله وما جاء عنهما.

والآخر: ضعف عقولهم وقلة فهمهم للنصوص، وهذا هو المثال بين يديك: لم يؤمنوا بأن الله في السماء مع صراحة الآيات في ذلك، والتي منها قوله تعالى: {أأمِنْتُم مَنْ في السماء أنْ يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} (الملك: ٦ ١)، وصحة حديث الجارية، الذي شهد لها بالإيمان لأنها عرفت ربها في السماء، ولذلك بادروا إلى إنكار صحته، وأما الآية فعطَّلوا دلالتها بعقولهم المريضة، ذلك أنهم تبادر إلى أذهانهم الكليلة أن (في) هنا ظرفية، وهذا خطأ ظاهر، ففروا منه، فتأولوا (مَنْ) بالملائكة، فوقعوا في خطأ آخر، فوقف في طريقهم قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ارحموا من في الأرض؛ يرحمكم من في السماء، فهذا صريح في أن (في) في شَطْرَيِ الحديث بمعنى (على)، ولما رأى ذلك بعض جهلة الغماريين وأنه يبطل تأويله المذكور؛ بادر بكل صفاقة وجهل إلى القول بأنه "حديث باطل»! (١) خلافاً لكل العلماء حتى شيوخه الغماريين، كما بينته في الاستدراك المطبوع في آخر المجلد الثاني من "الصحيحة"، طبع عمّان رقم (١٢).

والمقصود أن معنى الآية المذكورة {أأمنتم من في السماء}؛ أي: من على


(١) انظر مقدمة المسمى حسن السقاف لكتاب "دفع شبه التشبيه "لابن الجوزي (ص ٦٢و٦٤)
الذي دفعه الذهبي في "السير" (٢١/ ٣٦٨) دفعاً لطيفاً بقوله: "ليته لم يخض في التأويل، ولا خالف إمامه"!

<<  <  ج: ص:  >  >>