إلا بعد المغالبة كما ستراه في ترجمة الإمام اللغوي ابن الأعرابي فقد جاء فيها:
أن رجلا قال أمامه مفسراً الاستواء معناه: استولى. فقال لهم الإمام: اسكت؛ العرب لا تقول للرجل:" استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد فأيهما غلب قيل: استولى. والله تعالى لا مضاد له ".وسنده عنه صحيح كما بينته هناك في التعليق (٢١٠) واحتج به العلامة نفطويه النحوي في " الرد على الجهمية " كما ستراه في ترجمته (١١٩):
فنسأل المتأولة: من هو المضاد لله تعالى حتى تمكن (؟!) الله تعالى من التغلب عليه والاستيلاء على ملكه عنه؟
وهذا إلزام لا مخلص لهم منه إلا برفضهم لتأويلهم ورجوعهم إلى تفسير السلف ولما تنبه لهذا بعض متكلميهم جاء بباقعة أخرى وذلك أنه تأول " الاستيلاء " الذي هو عندهم المراد من " الاستواء " بأنه استيلاء مجرد عن معنى المغالبة (١).
قلت: وهذا مع كونه مخالفا لغة كما سبق عن ابن الأعرابي فإن أحسن ما يمكن أن يقال فيه: إنه تأويلٌ للتأويل, وليت شعري ما الذي دخل بهم إلى هذه المآزق أليس كان الأولى بهم أن يقولوا: استعلى استعلاء مجرداً عن المشابهة. هذا لو كان الاستعلاء لغةً يستلزم المشابهة فكيف وهي غير لازمة؟ لأن الاستواء في القرآن فضلاً عن اللغة قد جاء منسوباً إلى الله تعالى كما في آيات الاستواء على العرش وقد مضى بعضها كما جاء منسوباً إلى غيره سبحانه كما قال في سفينة نوح {استوت على الجودي} وفي النبات {استوى على سوقه} فاستواء السفينة غير
(١) نقله الكوثري في تعليقه على " الأسماء والصفات " (ص ٤٠٦) عن ابن المعلم. [منه].