مالك قال: خرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على قوم جلوس، فقال ما أجلسكم؟ فقالوا: نتفكر في الله، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ... فذكره. قلت وهذا موضوع، آفته أبان بن [أبي] عياش، وهو متروك - كما قال الذهبي والعسقلاني -.وجملة التفكر قد رويت من طرق أخرى، بدا لي من مجموعها أنها ترتقي إلى مرتبة الحسن، ولذلك خرجته في "الصحيحة"(١٧٨٨).
وأما سائر هذا الحديث وبخاصة الجملة الأخيرة منه فإنها باطلة، وهي من وضع الجهمية والمعطلة لصفات الله عَزَّ وَجَلَّ، الذين يتأولونها غير تأويلها المعروف عند السلف، ويعبرون عن المجيء المصرح به في القرآن والنزول المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالزوال- كما في هذا الحديث-، أو الانتقال- كما يفعل ابن الجوزي وغيره -، ثم يقولون: هذا من صفات المخلوقات، فلا يجوز وصف الله بذلك! والحقيقة أن المجيء والنزول لا يجوز تأويله بما ذكروا، وهو صفة لله، وصف بها نفسه، نصفه بها دون تشبيه ولا تعطيل، «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير»، فهم وقعوا حين عبَّروا بما تقدم في التشبيه، ففروا منه إلى التعطيل.
فما أحسن ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الأول من كتابه العظيم "منهاج السنة": "المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، المشبه أعشى، والمعطل أعمى".
ومما يبطل هذاالحديث قوله:"فإنه في كل مكان"، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ كان ولا مكان، وهو الغني عن العالمين - كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله - فتنبه! ولما رأى بعض المعطلة المعاصرين أن وصف الله عَزَّ وَجَلَّ بأنه في كل مكان لا يقف أمام أدلة الشرع والعقل - كما سبق هناك -، لجأ إلى التستر والمراوغة