على عرشه فوق السموات يلزم منه أنه في حيز وجهة؛ إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات, وما فوقه فليس هو كذلك.
والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول ونقله عنهم الأئمة.
وقالوا ذلك رادِّين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان محتجين بقوله:"وهو معكم" فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم, وهما قولان معقولان في الجملة؛ فأما القول الثالث المتولد أخيراً من أنه تعالى ليس في الأمكنة, ولا خارجا عنها, ولا فوق عرشه ولا هو متصل بالخلق ولا بمنفصل عنهم, ولا ذاته المقدسة متحيزة ولا بائنة عن مخلوقاته, ولا في الجهات ولا خارجاً عن الجهات, ولا ولا, فهذا شيء لا يعقل ولا يفهم مع ما فيه من مخالفة الآيات والأخبار.
ففر بدينك وإياك وآراء المتكلمين, وآمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله, وفوِّض أمرك إلى الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[قال الإمام في "مختصر العلو" معلقًا على قول الذهبي: "فهذا شئ لا يعقل ولا يفهم]:
قلت: نعم، إنما يفهمه القائلون بوحدة الوجود، وأن الخالق والمخلوق شيء واحد، بل لا شيء هناك يسمى خالقاً أو مخلوقاً، فكل ما تراه بعينك فهو الله! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. ولعل جهماً وأمثاله من الدعاة الأولين كانوا يرمُون من قولهم بأن الله في كل مكان، وأنه ليس على العرش، غرسَ عقيدة وحدة الوجود المستلزمة لنفي وجود الخالق تبارك وتعالى, ولكن بطريقة خبيثة خفية، ولذلك اشتد نكير السلف عليه، وعلى أتباعه، وصرح بعضهم - كما تقدم