وإذ كان الأمر كذلك فقد سلم لنا القول المتقدم: إن كل الآيات والأحاديث المتقدمة الدالة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام، تدل أيضاً بعمومها وشمولها على وجوب الأخذ به في العقائد أيضاً، والحق أن التفريق بين العقيدة والأحكام في وجوب الأخذ فيها بحديث الآحاد فلسفة دخيلة في الإسلام، لا يعرفها السلف الصالح ولا الأئمة الأربعة الذين يقلدهم جماهير المسلمين في كل العصر الحاضر.
- بناؤهم عقيدة (عدم الأخذ بحديث الآحاد) على الوهم والخيال:
وإن من أعجب ما يسمعه المسلم العاقل اليوم هو هذه الكلمة التي يرددها كثير من الخطباء والكتاب كلما ضعف إيمانهم عن التصديق بحديث، حتى ولو كان متواتراً عند أهل العلم بالحديث كحديث نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، فإنهم يتسترون بقولهم:" حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة "، وموضع العجب أن قولهم هذا هو نفسه عقيدة، كما قلت مرة لبعض من ناظرتهم في هذه المسألة، وبناء على ذلك، فعليهم أن يأتوا بالدليل القاطع على صحة هذا القول، وإلا فهم متناقضون فيه، وهيهات هيهات فإنهم لا دليل لهم إلا مجرد الدعوى، ومثل ذلك مردود في الأحكام فكيف في العقيدة؟ وبعبارة أخرى: لقد فروا من القول بالظن الراجح في العقيدة، فوقعوا فيما هو أسوأ منه وهو قولهم بالظن المرجوح فيها، " فاعتبروا يا أولى الأبصار "! وما ذلك إلا بسبب البعد عن التفقه بالكتاب والسنة، والاهتداء بنورهما مباشرة، والانشغال عنه بآراء الرجال.