"قلت: هذا تقييد حفظه عنه ابنه عبد الله، وهو قوله: "يريد القرآن"، فقد غفل عنه غيره ممن حكى عنه في اللفظ خلاف ما حكينا حتى نسب إليه ما تبرأ منه فيما ذكرنا".
قلت: وفي قوله: "فقد غفل عنه غيره ... " نظر؛ لأن حقيقة الأمر أن الإمام أحمد كان يطلق ذلك في كثير من الأحيان، وممن روى ذلك عنه ابنه عبد الله نفسُه كما يأتي في الكتاب، وكذا أبو داود كما سأبينه قريباً فهل يجوز أن ينسبا إلى الغفلة؟! فالحق أن أحمد أطلق غالباً، فحفظه عنه جمع، وقيد مرة بياناً ودفعاً لما قد يتوهم من الإطلاق أن نطقنا بالقرآن ليس من أفعالنا، وهذا خلاف ما هو مقرر عند أهل السنة أن أفعال العباد - ومنها النطق - مخلوقه كما شرحه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه "خلق أفعال العباد" بأدلة قاطعة من الكتاب والسنة، وأقوال السلف. فبيَّن الإمام أحمد رحمه الله تعالى بهذا القيد أنه لا يعني نطق التالي، فإنه مخلوق، وإنما يريد كلام الله تعالى، وبهذا يتفق الإمام مع تلميذ البخاري الذي كان يفرق بين التلاوة والمتلو، كما حكاه البيهقي وغيره، وقال:"ومسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى كان يوافق البخاري في التفصيل".
وهو الذي شرحه المصنف رحمه الله تعالى، وأحسن في ذلك، وبين السبب في فرار الإمام أحمد - في أكثر الروايات عنه - ومن وافقه من القول بالتفصيل المذكور ولله عاقبة الأمور. وراجع له كلام الإمام الجويني في رسالته في "الاستواء"(ص ١٨٤) فإنه مهم.