للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجازًا فهو الحقيقة وللمثال على ذلك مما حفظته من كلام ابن تيمية - رحمه الله - والآية الكريمة: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف:٨٢) فهنا لا يتبادر لأي عربي المعنى الذي يسمونه حقيقة، أي: القرية هذه في ترابها وجبالها وأنهارها وإنما يتبادر من النص القرآن هذا المعنى الذي يسمونه مجازًا، فإذًا تسميتهم لمثل هذا المعنى بالمجاز اصطلاح خاص لا يغاير المعنى الذي هو الحقيقة في اصطلاحهم فما يسمونه مجازًا في بعض المواطن هو الحقيقة، فالآن هنا: لا يتبادر إلى الذهن أن القرآن هو ذات يتكلم فيقص، لكن يتبادر المعنى الذي ذكرته آنفًا.

وهكذا مثلًا ضرب مثلًا آخر ابن تيمية رحمه الله فيما إذا قال العربي: سرت والقمر فيقولون: هذا مجاز؛ لأن القمر في السماء وهو في الأرض، لكن هل أحد يفهم ويتبادر لذهنه: أنه سار والقمر بجنبه واضع يده ونحو ذلك من المعاني التي تفهم فيما لو قال: سرت مع فلان من البشر؟ طبعًا لا، إذًا: المعنى الحقيقي يتناسب مع المتحدث عنه فيه مما ... يطابق الواقع، فهنا: سرت والقمر، هذا مجاز .. مجاز في اصطلاحهم؛ لأنه ما هو الحقيقة؟ الحقيقة أنه في مكان واحد .. في أرض واحدة، لكن هذا المعنى لا يتبادر إلى الذهن إطلاقًا، وليس هناك إلا معنى واحد هو المعنى الذي سماه مجازًا وهو الحقيقة التي أرادها الله فيما إذا جاء بها ... {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر:٢٢) .. {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} (المعارج:٤) إلى آخره فهذه الآية تشبه هذه الآيات، يسمونه مجازًا في اصطلاحهم، لكن هي الحقيقة باصطلاح أهل السنة.

"رحلة النور" (٤٦أ/٠٠:٠٧:١٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>