يكون أحد الوجهين صواباً والآخر خطأ، وعلى هذا من اجتهد وكان أهلاًَ للاجتهاد وأول شرط لهذه الأهلية هو المعرفة باللغة العربية، فسواء أصاب أو أخطأ كما يعلم هو، من أصاب له أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، وهذه الآيات التي جاءت حول الأرض هل هي متحركة كروية أم هي ثابتة، فليس هناك نص قاطع يؤيد أحد الوجهين المختلفين، ولذلك قلنا أن هذه ليست مسألة اعتقادية لا بد أن يكون فيها رأي مُوحَّد كما نعتقد برأي السلف، فبعض الآيات من القرآن الكريم التي تتعلق بهذا الموضوع يمكن أن يُفهم منها ثبات الأرض وسطحيتها، والبعض الآخر يمكن أن يُفهم منها حركتها ودورانها، وهذا الرأي هو الذي يترجح عندنا ويطابق في الواقع الطبيعي الذي يشعر به كل فرد من أفراد الناس سواء كان مسلماً أو كافراً.
ويكفي في أن نعرف أن المسألة ليس فيها دليل قاطع مع الذين يُلِحُّون على مخالفة ما ثبت علمياً اليوم أن الأرض متحركة وأنها تدور حول الشمس، يكفي لمعرفة أنه لا نص صريح يخالف هذه الفكرة أو هذا الرأي الفلكي، أن كثيراً من علماء المسلمين الذين يعترف كل المسلمين بعلمهم وفضلهم وبخاصة نحن معشر السلفيين نعتقد بإمامية شيخ الإسلام ابن تيمية في معرفة الكتاب والسنة، وابن القيم الجوزية فضلاً عن غيرهما بأنهم كانوا يرون خلاف ما يذاع الآن بناء على بعض الظواهر القرآنية كآية: والجبال رواسي مثلاً، {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}(النازعات:٣٠)، ونحو ذلك من الآيات، ما فهموا منها هذا الرأي الجامد المخالف، أولاً لظواهر النصوص الأخرى، وثانياً للحقيقة العلمية الفلكية.
مثل آية وَصْف الجبال بالنسبة للأرض كالرواسي بالنسبة للسفن، لا يستلزم لغة أن تكون الأرض غير متحركة مطلقاً، وإنما تنفي حركة اضطرابية مضطربة.