الحديث الصحيح لأدنى شبهة ترد عليهم من أمثال أولئك الطاعنين, فإن الحديث يدور حول أمر دنيوي محض لا علاقة له بالتشريع, فأي ضير على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يُسحر سحراً يؤدي به إلى حالة من المرض والوجع؛ يرى ويظن أنه أتى النساء ولم يأتهن؟ هذا كل ما في الحديث ليس إلا, وتوسيع الأمر بطريق القياس والإلحاق كما يفعل بعض الطاعنين في الحديث بقولهم: إذا ظن ذلك الأمر فيمكن أن يظن مثله في الشرع, كأن يظن أن آية نزلت عليه ولم تنزل {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} فالجواب أن الذي عصمه من نسيان الآيات التي نزلت عليه أن يبلغها إلى الناس مع العلم أن النسيان من طبيعة البشر, فهو الذي يعصمه من أن يتلو عليهم ما ليس قرآناً متوهماً أنه من القرآن! فهذا مثل هذا ولا فرق، نسأل الله السلامة في ديننا وعقولنا. وهذه كلمة وجيزة أردت بها التذكير وإلا فالموضوع طويل الذيل.
[ثم قال -رحمه الله-]:
ومع اتفاق الشيخين على تصحيح الحديث وتلقي العلماء المحققين له بالقبول، فقد طعن فيه بعض المبتدعة قديماً وتبعهم على ذلك بعض المتأخرين، والحديث صحيح لا شك فيه، وقد حاول السيد رشيد رضا أن يُعِلَّهُ بأنه من رواية هشام بن عروة، وهو مع كونه ثقة حجة فلم يتفرد به، بل تابعه جماعة من آل عروة كما في صحيح البخاري، ثم إن للحديث شواهد من رواية زيد بن أرقم وابن عباس وغيرهما، فراجع "فتح الباري"، (١٠/ ١٩٢ - ١٩٣) فلا تغتر بكلام من ينكره ممن يدعي الانتصار للسنة من المعاصرين الذين هم أبعد ما يكونون عن العلم الصحيح بها، وتخيله - صلى الله عليه وآله وسلم - المذكور فيه لا يطعن في عصمته المقطوع