تبارك وتعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} فكان - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:«إني لأعرف حجراً كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن» رواه مسلم وغيره.
فإذا كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يحدث أصحابه بمعجزاته ثم يرويها منسوبة إلى أصحابه من بعده، فكيف يصح أن يقال: إنه كان لا يرضى أن تنسب إليه معجزة؟!
وإني قبل أن أنهي هذا البحث لا بد من أن ألفت نظر القارئ إلي أمر هام، وهو أنني حين قرأت بحث الأستاذ وما نقله عن ابن خلدون ومحمد عبده والسيد رشيد رضا والدكتور هيكل من وجوب التدقيق في روايات الحديث والسيرة إذ ليس كل ما فيها صحيحاً، تساءلت في نفسي: ترى هل دقق هؤلاء في هذه الحادثة فتبين لهم أنها خرافة كما ادعى الأستاذ المصري؟ فرجعت إلى اثنين منهم من المعاصرين وهما الدكتور هيكل في كتابه " حياة محمد" والسيد رشيد رضا في رسالته "خلاصة السيرة النبوية " فإذا بالأول يذكر هذه الحادثة (١١٢ - ١١٣) كما يذكرها كل المؤرخين، وكذلك فعل الثاني (ص١٤ - ١٥) دون أن يذكر أو يشير أدنى إشارة إلى ضعفها فضلاً عن وضعها! والحقيقة أن أحداً لم يصرح - فيما علمت - بأن حادثة بحيرا الراهب خرافة قبل الأستاذ المصري، والحمد لله لست من " أهل الطرق ولا المتطفلين من بعض من يلبسون العمائم " وقد استندنا فيما أوردنا إلى طرق العلم الصحيح، ولكن الأستاذ اتبع فيما أنكر ظنوناً وأوهاماً أدّت به - ولو مع حسن النية - إلى إنكار حقيقة تاريخية لا شك فيها هي حادثة بحيرا الراهب، فعسى أن الأستاذ المصري يعيد النظر فيما كان كتب فيها على ضوء الحجج التي أوردنا حتى نلتقي في صعيد واحد في ميدان العلم والحق.