للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية وبه ختم الباب، إشارة منه رحمه الله إلى أنها من باب واحد، وفي معنى واحد، فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه - صلى الله عليه وآله وسلم - عليه بل هو لها زكاة وقربة، فكذلك دعاؤه - صلى الله عليه وآله وسلم - على معاوية.

وقد قال الإمام النووي في " شرحه على مسلم " (٢/ ٣٢٥ طبع الهند): " وأما دعاؤه - صلى الله عليه وآله وسلم - على معاوية ففيه جوابان:

أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد.

والثاني: أنه عقوبة له لتأخره، وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا الدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له ".

وقد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني فقال في " سير أعلام النبلاء ":

"قلت: لعل أن يقال: هذه منقبة لمعاوية لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة ".

واعلم أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الأحاديث: «إنما أنا بشر أرضى كما يرضى

البشر ... » إنما هو تفصيل لقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ... } الآية.

وقد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء، إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتنزيهه عن النطق به! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح، بل هو عندنا متواتر، فقد رواه مسلم من حديث عائشة وأم سلمة كما ذكرنا، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما، وورد من حديث سلمان وأنس وسمرة وأبي الطفيل وأبي سعيد وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>