للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإقراره - صلى الله عليه وآله وسلم - إياه، ولكنه استثنى منه الغناء في العيد فهو مباح بالمواصفات الواردة في هذا الحديث.

فتبين أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كما أقر عمر على استنكاره سماع الموتى، كذلك أقر أبا بكر على استنكاره مزمار الشيطان، وكما أنه أدخل على الأول تخصيصاً, كذلك أدخل على قول أبي بكر هذا تخصيصاً اقتضى إباحة الغناء المذكور في يوم العيد، ومن غفل عن ملاحظة الإقرار الذي بَيَّنَّا؛ أخذ من الحديث الإباحة في كل الأيام كما يحلو ذلك لبعض الكتاب المعاصرين وسلفهم فيه ابن حزم، فإنه استدل به على الإباحة مطلقا جموداً منه على الظاهر فإنه قال في رسالته في الملاهي (ص ٩٨ - ٩٩): وقد سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قول أبي بكر: مزمار الشيطان " فأنكر عليه ولم ينكر على الجاريتين غناءهما ".

والواقع أنه ليس في كل روايات الحديث الإنكار المذكور وإنما فيه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي بكر: " دعهما. . . " وفرق كبير بين الأمرين فإن الإنكار الأول لو وقع لشمل الآخر ولا عكس كما هو ظاهر، بل نقول زيادة على ذلك: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقر قول أبي بكر المذكور كما سبق بيانه وقد قال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " بعد أن ذكر الحديث (١/ ٢٥٧):

فلم ينكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على أبي بكر تسميته الغناء مزمار الشيطان وأقرهما؛ لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب وكان اليوم يوم عيد.

وأما أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ينكر على الجاريتين فحق، ولكن كان ذلك في يوم عيد فلا يشمل غيره أولا. وثانياًّ: لما أمر - صلى الله عليه وآله وسلم - أبا بكر بأن لا ينكر عليهما بقوله: " دعهما "

<<  <  ج: ص:  >  >>