للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن الأول: الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن العبد إذا وضع في قبره, وتولى عنه أصحابه -حتى إنه سمع قرع نعالهم - أتاه ملكان» (١) , ففي هذا الحديث الصحيح إثبات سمع خاص للميت في وقت دفنه, وحين ينصرف الناس عنه, أي: في الوقت الذي يُجلسه الملكان أُعيدت الروح إليه, فهو في هذه الحالة يسمع قرع النعال, فلا يعني الحديث بداهةً أن هذا الميت وكل الأموات تُعاد إليهم أرواحهم, وأنهم يظلون يسمعون قرع نعال المارة بين القبور إلى يوم يبعثون! لا.

إنما هذا وضعٌ خاص وسماع خاص من الميت, لأنه أُعيدت روحه إليه, وحينئذٍ لو أخذنا بتفسير ابن تيمية رحمه الله, وسعنا دائرة إحساس الميت بما يجري حوله, سواءً عند نعشه قبل دفنه, أو بعد وضعه في قبره, ومعنى ذلك: أن يسمع بكاء الأحياء عليه وهذا يحتاج إلى نص, وهو مفقود. هذا أولاً.

وثانياً: بعض نصوص الكتاب والسنة الصحيحة تدل على أن الموتى لا يسمعون, وهذا بحث طويل, ولكني سأذكر حديثاً واحداً, وأنهي الجواب عن السؤال وهو قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» (٢) , وقوله " سياحين " أي: طوافين على المجالس, فكلما صلى مسلم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , فهناك ملك موكَّلٌ يُوْصِلُ السلام من ذاك المسلم إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , فلو كان الأموات يسمعون, لكان أحق هؤلاء الأموات أن يسمع هو نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - , لما فضله الله تبارك وتعالى, وخصه بخصائص على كل الأنبياء والرسل والعالمين, فلو كان أحدٌ يسمع لكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم لو كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسمع شيئا بعد موته,


(١) "صحيح الجامع" (١٦٧٥) [منه].
(٢) "صحيح الجامع" (٢١٧٤). [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>