للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من يقول: المقصود بالعذاب هو التألم والحزن، والذي يقول هذا القول يعني: أن الميت يسمع بكاء الأحياء عليه فيأسف لأسفهم ويحزن لحزنهم، هذا هو العذاب الذي عناه الرسول في الحديث في قول هذا البعض، أما الأولون وهم الجمهور يقولون: يعذب فعلًا، وهنا يرد قول السيدة عائشة المذكور والمشار إليه آنفًا، أنها لماذا أنكرت هذا الحديث؟ لأنها فهمت أن العذاب هنا هو العذاب بمعنى التألم إما بالنار أو بالزمهرير أو ما شابه ذلك مما هو معروف، فقالت: لماذا يعذب هذا والله عز وجل يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام:١٦٤)؟ أجاب العلماء عن هذه الشبهة: بأن المقصود من الحديث على المعنى الذي ذهب إليه الجمهور وهو العذاب المعروف أنه إنما يعني به الميت الذي يموت ولا يوصي ولا ينصح أهله بألاَّ يبكوا عليه، أما إذا قاموا بواجب التذكير والنصيحة ثم بكوا عليه فلا يضره ذلك؛ لأنه قد أدى الواجب.

هذا مع ملاحظة أن المقصود بالبكاء ليس هو مطلق البكاء، وإنما المقصود به النياحة وهو رفع الصوت، فبرفع الصوت إذا كان الميت لم ينصح ولم يذكر أهله قبل وفاته بأنه إذا جاءتني الوفاة فلا تصيحوا ولا تنوحوا لأن هذا يكون سببًا ليس لعذابكم فقط بل سببًا لعذابي أنا، على هذا يفسر الحديث.

وخلاصة ذلك: أن الميت الذي لم يذكر أهله بما يجب عليه من النصح إذا مات ألا يبكوا عليه فهذا الذي هو يعذب، والعذاب ليس هو بمعنى الألم والحزن وإنما هو بمعنى العذاب الذي يستحقه العاصي يوم القيامة أو في القبر، ويؤيد هذا المعنى من السنة ومن النظر أيضًا، أما السنة ففي رواية للمغيرة بن شعبة قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة"، بينما التفسير الثاني الذي فسر العذاب بالألم فهو يعني وهو في القبر، إنما حديث المغيرة يقول: يعذب يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>