الحقيقة التي لا مناص لأحدٍ من البشر إلا وأن يقع فيها، وهي {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}(الزُّمر:٣٠) كانوا عرفوا هذه الحقيقة ولذلك لما جاءهم الرسول عليه السلام بشيء ما كانوا يعرفونه من قبل: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني» قالوا كيف ذاك وقد أرمت، أي فنيت، طبعاً مت، وأكثر من مت، أي: فنيت وصرت رميماً، قال:«إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» فأجساد الأنبياء كل الأنبياء لا تصبح رميماً كأجساد الآخرين، ولذلك فرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جسده في قبره كما هو من قبل هذه معجزة هذه كرامه من الله عز وجل لنبيه عليه السلام، بل ولِسائر الأنبياء الكرام ولكن الله كرم نبيه عليه السلام بكرامةٍ أخرى لا يشاركه فيها أحد من الأنبياء؛ وهي قوله عليه السلام:«فإن صلاتكم تبلغني» قالوا: كيف ذاك وقد أرمت؟ قال:«إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» أي أنا كسائر الأنبياء جسدي في القبر حي طري ولكن اصطفاني ربي عز وجل بخصلةٍ أخرى؛ أنه كلما سلَّم علي مسلمٌ رد الله إليًَّ روحي فأردُّ عليه السلام.
وهذا الحديث وهو ثابت فيه دلاله على أن الرسول عليه السلام خلاف ما يتوهم كثير من العامة بل وفيهم بعض الخاصة وهي أن النبي لا يسمع سلام المسلمين عليه، وإنما كما جاء في الحديث الصحيح:«إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام»«إن لله ملائكة سياحين» يعني: طوافين على المسلمين، فكلما سمعوا مسلماً يصلي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بلغوه بذلك، وهو لا يسمع؛ لأن الميت لا يسمع انفصل عن هذه الحياة الدنيا ومتعلقاتها كلها، ولكن الله عز وجل اصطفى نبيه عليه السلام فيما ذكرنا من الحياة، ومن تمكينه بإعادة روحه إلى جسده ورد السلام على المسلمين عليه، ومن ذلك أيضاً أن هناك ملائكة يبلغونه السلام، فكلما سلموا عليه من فلان هو رد عليهم السلام.