للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نقول إن هذه الشبهة من أضعف الشبهات، وفي رأيي أن حكايتها تغني عن ردها، إذ أن من المسلَّم به أن كثيراً من الأمور الحقة يستغلها من ليس أهلاً لها، فالعلم مثلاً يدعيه بعض الأدعياء وهو في الواقع من الجهلاء، فهل يليق بعاقل أن ينكر العلم بسبب هذا الاستغلال؟! بل إن بعض الناس فيما مضى ادعى الألوهية فهل طريقة الرد عليه وبيان كذبه يكون بإنكار الألوهية الحقة؟!

ومثال آخر: يفهم بعض المسلمين اليوم من عقيدة "القضاء والقدر " الجبر وأن الإنسان الذي قدّر عليه الشر مُجبر على ارتكابه، وأنه لا اختيار له فيه، وقع في هذا الفهم الخاطئ غير قليل من أهل العلم، ونحن مع جماهير العلماء الذين لا يشكون في صحة عقيدة القضاء والقدر وأنها لا تستلزم الجبر مطلقاً، فإذا أردنا أن نصحح ذلك الفهم الخاطئ الملصق بهذه العقيدة الحقة، أفيكون طريق ذلك بإنكارها مطلقاً كما فعل المعتزلة قديماً وبعض أذنابهم حديثاً؟! أم السبيل الحق الاعتراف بها لأنها ثابتة في الشرع ودفع فهم الجبر منها؟ لا شك أن هذا السبيل هو الصواب الذي لا يخالف فيه مسلم البتة، فكذلك فلتعالج عقيدة المهدي، فنؤمن بها كما جاءت في الأحاديث الصحيحة، ونبعد عنها ما ألصق بها بسبب أحاديث ضعيفة واهية خبيثة، وبذلك نكون قد جمعنا بين إثبات ما ورد به الشرع والإذعان لما يعترف به العقل السليم.

وخلاصة القول: إن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى: {الم، ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ}. وإن إنكارها لا يصدر إلا من جاهل أو مكابر. أسأل الله تعالى أن يتوفانا على الإيمان بها وبكل ما صح في الكتاب والسنة.

"مقالات الألباني" (ص ١٠٥ - ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>