منه أن لازمه الجبر، وأن المكلَّف لا كسب له ولا اختيار، ولما كان هذا الفهم باطلاً بداهة سارعوا إلى إنكاره، ولكنهم أنكروا مَعَهُ القدر أيضاً؛ لتوهمهم - أيضاً مع المتوهمين - أنه يعني الجبر، فوافقوهم في خطئهم في التوهم المذكور، ثم زادوا عليهم خطأً آخر- فراراً من الأول - وهو إنكارهم القدر نفسه! فلولا أنهم شاركوهم في فهمهم منه الجبر ما أنكروه!
وهذا هو عين ما صنعه البعض المشار إليه من الأساتذة والكُتّاب؛ فإنهم لما رأوا تواكل المسلمين - إلا قليلاً منهم - على أحاديث المهدي وعيسى؛ بادروا إلى إنكارها لتخليصهم بزعمهم من التواكل المذكور! فلم يصنعوا شيئاً؛ لأنهم لم يستطيعوا تخليصهم بذلك من جهة؛ ولا هم كانوا على هدى في إنكارهم للأحاديث الصحيحة من جهة أخرى.
والحقيقة أن هؤلاء المنكرين- الذين يفهمون من هذه الأحاديث ما لا تدل عليه من التواكل المزعوم، ولذلك يبادرون إلى إنكارها تخلّصاً منه - قد جمعوا بين المصيبتين: الضلال في الفهم، والكفر بالنص! ولكنهم عرفوا أن الفهم المذكور ضلال في نفسه؛ فأنكروه بإنكار النص الذي فهموا ذلك منه! وعكس ذلك العامة؛ فآمنوا بالنص مع الفهم المذكور، فمع كل من الفريقين هدى وضلال، والحق الأخذ بهدى كل منهما، ونبذ الضلال الذي عندهما؛ وذلك بالإيمان بالنص دون ذلك الفهم الخاطئ.
وما مثل هؤلاء وهؤلاء إلا كمثل المعتزلة من جهة؛ والمشبِّهة من جهة أخرى، فإن الأولين تأولوا آيات وأحاديث الصفات بتآويل باطلة أودت بهم إلى إنكار الصفات الإلهية، وما حملهم على ذلك إلا فرارهم من التشبيه الذي وقع فيه المشبِّهة، والحقيقة أن المعتزلة أنفسهم شاركوا المشبِّهة في فهم التشبيه من آيات