الذنب أنه لا بد من عتق رقبة، إما وإما .. ، أخيراً تأتي تلك المكاتبة والمكاتبة هي أن يتفق السيد مع العبد أو مع عبد من عبيده أن يصبح حراً إذا ما قدم إلى سيده مَبْلَغاً يتفقان عليه، فإذا ما قدم آخر قسطٍ عليه يصبح حراً، ففتح الإسلام لهؤلاء العبيد أن يكسبوا حريتهم ويفكوا عنهم الرق، فبتلك المعاشرة الحسنة التي ألمحنا إليها آنفاً والتي كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يحض عليها في أحاديث كثيرة كمثل قوله عليه السلام:«إخوانكم خولكم». كأنه سقط من ذهني عبارة:«فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون»(١) .. أو هكذا، فوجدوا في الشرع الإسلامي ما جذبهم جذباً إلى الدخول في الإسلام بمحض اختيارهم، ولذلك كان منهم من كبار العلماء والفقهاء، وحسبكم أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله الذي هو أول الأئمة الأربعة المتبعين .. ، أبوه من هؤلاء الأرقاء، فضلاً عن مثل طاووس وأمثاله من كبار المحدثين، فهؤلاء يعجب ربك من أقوام يجرون إلى الجنة في السلاسل أي: أنهم جيء بهم كما قلنا مغللين أسرى، فلما خالطوا المسلمين وتبين لهم الإسلام الحق آمنوا، فدخلوا الجنة بسبب إيمانهم، هذا معنى الحديث إن ربك ليعجب من أقوام يجرون إلى الجنة في السلاسل، أي: إلى الإسلام الذي يأخذ بهم إلى الجنة، وقد جيء بهم من قبل بالسلاسل، وهذه حقيقة يشهد بها التاريخ الصحيح، فكم وكم من مولى من الموالي، أي: من هؤلاء العبيد، الذين أعتقهم أسيادهم أو عتقوا أنفسهم بالمكاتبة، كم وكم من هؤلاء أصبحوا من كبار العلماء الذين نحن الآن نستفيد العلم منهم، وهم كانوا أسرى جيء بهم مغللين.