للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنعيم من موجب أسمائه التي هي من لوازم ذاته فيجب دوامه بدوام معاني أسمائه وصفاته.

وأما العذاب فإنما هو من مخلوقاته والمخلوق قد يكون له انتهاء مثل الدنيا وغيرها، لا سيما مخلوق خلق لحكمة يتعلق بغيره.

الوجه السابع: أنه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء وأنه {كتب على نفسه الرحمة} (١) وقال: «سبقت رحمتي غضبي» و «غلبت رحمتي غضبي» وهذا عموم وإطلاق، فإذا قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة.

الثامن: أنه قد ثبت مع رحمته الواسعة أنه حكيم إنما يخلق لحكمة كما ذكر حكمته في غير موضع، فإذا قدر أنه يعذب من يعذب لحكمة كان هذا ممكناً كما يوجد في الدنيا العقوبات الشرعية فيها حكمة، وكذلك ما يقدره من المصائب فيه حكمة عظيمة فيها تطهير من الذنوب، وتزكية للنفوس، وزجر لها في المستقبل للفاعل ولغيره يجنبها غيره، والجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب ولهذا قال في الحديث الصحيح: «إنهم يحبسون بعد خلوصهم من الصراط على قنطرة بين الجنة والنار، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة» (٢). والنفوس الشريرة الظالمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا تصلح أن تسكن دار السلام التي تنافي الكذب والظلم والشر، فإذا عُذبوا بالنار عذاباً يخلص نفوسهم من ذلك الشر كان هذا معقولاً في الحكمة، كما يوجد في تعذيب الدنيا وخلق من فيه شر يزول بالتعذيب من تمام الحكمة.


(١) إشارة إلى قوله تعالى {وسعت رحمتي كل شيء} الأعراف الآية (١٥٦). [منه].
(٢) رواه البخاري وغيره وهو مخرج في (ظلال الجنة في تخريج السنة) لابن أبي عاصم (٨٥٧ - ٨٥٨). [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>