للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ومثل هذا مما لا يخفى على ابن القيم، بل هو ممن صرح بذلك في غير ما موضع من كتبه، فهو يقول مثلاً في " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ". (ص ٨٩): "إن الله حرم الجنة على كل مشرك".

بل إنه لما حكى في " الحادي " (٢/ ١٦٩ - ١٧٠) قول من يقولك أن أهل النار يعذبون فيها إلى وقت محدود، ثم يخرجون منها، ويخلفهم آخرون، أبطله بعدة آيات ساقها كلها صريحة في عدم خروج أهل النار منها، وكان آخرها آية الأعراف المتقدمة: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}. قال عقبها: "وهذا أبلغ ما يكون في الإخبار عن استحالة دخولهم الجنة "

وحينئذ كيف يصح ما سبق من استظهارنا أن ابن القيم يميل إلى القول بأن الكفار يدخلون الجنة بعد العذاب؟

والذي يدور في ذهني من الجواب على وجهين:

الأول: إما أن يقال: أن صريح كلامه ينافي ما وصل إليه باستنباطه فهو الذي ينبغي الاعتماد عليه ونسبته إليه وهو الأحب إلي.

والآخر: أن يجمع بين الصريح والمستنبط فيقال: الصريح يريد به دخول الكافر الجنة بعد خروجه من النار، فهذا هو المستحيل، وأما المستنبط فإنما يريد به دخول الجنة بعد فناء النار.

وهذا الجمع وإن بدا غريباً، فليس بأغرب من تفريقه بين انتهاء عذاب الكفار بخروجهم من النار، فهذا مستحيل أيضاً وفقاً لجميع العلماء، وبين انتهاء عذابهم بفناء النار فهذا أمر جائز، بل واقع عنده، ويجادل فيه، ويصول ويجول ويتأول النصوص الصريحة المخالفة له، مما لا نعرفه عنه وإنما عن أهل البدع والأهواء

<<  <  ج: ص:  >  >>