وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملةً وتفصيلاً؛ فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات:
اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، ونحو ذلك فهذا القدر منكوره غلاة القدرية قديماً ومنكروه اليوم قليل.
وأما الدرجة الثانية: فهو مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشية الله سبحانه، لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات.
ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا يرضى عن القوم الفاسقين ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد.
والعباد فاعلون حقيقةً والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلى والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى:{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيم، وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين}(التكوير: ٢٨، ٢٩) وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي مجوس هذه الأمة، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ويُخرِجون عن أفعال الله وأحكامه