للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض فتاويه: " ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون سببا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافياً في حصول النبات، بل لابد من ريح مربية بإذن الله، ولابد من صرف الانتفاء عنه، فلابد من تمام الشروط وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره. وكذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم ممن أنزل ولم يولد له، بل لابد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة وتربيه في الرحم وسائر ما سيتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع.

وكذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هي سبب، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (فذكر الحديث)، وقد قال تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}. فهذه باء السبب، أي بسبب أعمالكم، والذي نفاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - باء المقابلة، كما يقال: اشتريت هذا بهذا.

أي ليس العمل عوضاً وثمناً كافياً في دخول الجنة، بل لابد من عفو الله وفضله ورحمته، فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف الدرجات. وفي هذا الموضع ضل طائفتان من الناس:

١ - فريق آمنوا بالقدر, وظنوا أن ذلك كاف في حصول المقصود فأعرضوا عن الأسباب الشرعية والأعمال الصالحة. وهؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن يكفروا بكتب الله ورسله ودينه.

٢ - وفريق أخذوا يطلبون الجزاء من الله كما يطلبه الأجير من المستأجر،

<<  <  ج: ص:  >  >>