للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عضواً من مريضٍ ما فلا شك أنك تستنكر عمله إذا كنت لا تعرف أن هذا الطبيب أولاً ماهر في طبابته، وثانياً: عادل في تنفيذه لطبه، كذلك إذا رأيت حاكماً يضرب إنساناً أو يجلده، فستقول: بأن هذا شر، لكن إذا عرفت أنه يضربه بحق انقلب المفهوم السابق الذي كان في ذهنك وهو أنه شر إلى أنه ليس بشر، وهذا نحن بين بعضنا البعض فما بالك بالنسبة للخالق الذي لا يقاس به شيء إطلاقاً؟!

ولذلك فنحن نقول في موضوع القضاء والقدر: الأصل فيه الإيمان الصادق الصحيح، وحينما يجري نقاش بين المعتزلة والجبرية، حيث إن كلاً من الفريقين يقف بعيداً جداً عن الآخر، وكلاهما على طرفي نقيض؛ لأنهم يحكمون عقولهم دون أن يلاحظوا دون ما ذكرت آنفاً من أن الله عز وجل لا يضرب له الأمثال، وأنه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء، فالمعتزلة يلتقون مع الجبرية في رأي واحد، لكن الفرق بين الفريقين: أن المعتزلة حينما يعملون عقلهم في ذلك الرأي يجدونه لا يلتقي مع العدالة الإلهية، فيفرون منه، أما الجبرية فيستقرون عليه ويطمئنون إليه، ما هو؟

إذا قيل: بأن الإنسان مقدر عليه كل عمل يأتيه، سواء كان خيراً أو شراً، التقى الفريقان: أن هذا يعني أنه جبر للإنسان على أن يفعل الخير أو الشر، فالتقيا في هذا كلاهما، لكن المعتزلة فروا قالوا: لو كان الأمر كذلك لم يبق هناك حكمة لله عز وجل أولاً في أن يأمر بالخير وينهى عن الشر، وثانياً: أن يجزي على الخير خيراً وعلى الشر شراً، أن يجزي على الخير جنة وعلى الشر ناراً، يقول المعتزلة: التقدير مع التكليف لا يلتقيان، إذاً فروا إلى قولهم: لا قدر، الجبرية ظلوا على رأيهم: أن معنى كون لله عز وجل قدر على الإنسان الخير أو الشر أنه مجبور، وظلوا عليه.

فأخذ كلاً من الفريقين يرد الباطل الذي في كل منهما: الباطل في المعتزلة

<<  <  ج: ص:  >  >>