للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركين الأولين حينما كانوا يدعون ليقولوا: لا إله إلا الله فيأبون؛ لأنهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيبة، وبين أكثر المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقولون هذه الكلمة؛ ولكنهم لا يفهمون معناها الصحيح، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة، وأعني بها علو الله عز وجل على مخلوقاته كلها، فهذا يحتاج إلى بيان، ولا يكفي أن يعتقد المسلم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: ٥). «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (١). دون أن يعرف أن كلمة «في» التي وردت في هذا الحديث ليست ظرفية، وهي مثل «في» التي وردت في قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ ... ] (الملك: الآيتان ١٥ - ١٦)؛ لأن «في» هنا بمعنى «على» والدليل على ذلك كثير وكثير جداً؛ فمن ذلك: الحديث السابق المتداول بين ألسنة الناس، وهو بمجموع طرقه -والحمد لله-صحيح، ومعنى [قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -]: «ارحموا من في الأرض» لا يعني الحشرات والديدان التي هي في داخل الأرض! وإنما من على الأرض؛ من إنسان وحيوان، وهذا مطابق لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: « ... يرحمكم من في السماء»، أي: على السماء، فمثل هذا التفصيل لا بد للمستجيبين لدعوة الحق أن يكونوا على بينة منه، ويقرب هذا: حديث الجارية وهي راعية غنم، وهو مشهور معروف، وإنما أذكر الشاهد منه؛ حينما سألها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أين الله؟» قالت له: في السماء (٢).لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر-مثلاً-أين الله؟ لقالوا لك: في كل مكان! بينما الجارية أجابت بأنه في السماء، وأقرها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لماذا؟؛ لأنها أجابت على الفطرة، وكانت تعيش بما يمكن أن


(١) «السلسلة الصحيحة» (٩٢٥).
(٢) رواه مسلم (رقم٥٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>