للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألمه حساً-؛ لطف له بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به أن يأخذه به قهراً؛ لكن أرسله إليه منذراً بالموت، وأمره بالتعرض له على سبيل الامتحان في صورة بشرٍ، فلما رآه موسى استنكر شأنه، واستوعر مكانه، فاحتجز منه دفعاً عن نفسه بما كان من صكه إياه، فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها، دون الصورة الملكية التي هو مجبول عليها، وقد كان في طبع موسى - صلى الله عليه وآله وسلم - حمِيَّةٌ وحِدّةٌ على ما قص الله علينا من أمره في كتابه من وكزه القبطي، وإلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه.

وروي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً، وقد جرت سنة الدين بدفع من قصدك بسوء، كما جاء في الحديث:"من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حلّ لهم أن يفقأوا عينه"، -فلما نظر موسى إلى شخص في صورة بشر هجم عليه يُريد نفسه-، ويقصد هلاكه، وهو لا يثبته، -ولا يعرفه أنه رسول ربه-؛ دفعه عن نفسه، فكان فيه ذهاب عينه، فلما عاد الملك إلى ربه، ردّ الله إليه عينه، وأعاده رسولاً إليه؛ -ليعلم نبي الله عليه السلام- إذا رأى صحة عينه المفقوءة- أنه رسول الله بعثه لقبض روحه، فاستسلم حينئذٍ لأمره، وطاب نفساً بقضائه، وكلُّ ذلك رفق من الله عز وجل، ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه، والانقياد لمورد قضائه، قال: وما أشبه معنى قوله:"ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت ... " بترديده رسوله ملك الموت إلى نبيه موسى عليه السلام، فيما كرهه من نزول الموت به، وقد ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي في كتابه رداً على من طعن في هذا الحديث وأمثاله من أهل البدع والملحدين أبادهم الله، وكفى المسلمين شرهم ".

"الصحيحة" (٧/ ٢/٨٢٦ - ٨٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>