فكل نصوص الشريعة فضلاً عن العقل الفطري السليم يحكمان معاً على أن الإنسان تارة يكون مختاراً وتارة مجبوراً، فلما يقول لك الجبري: لا قدر، كيف لا قدر يا أخي؟ هذا أرغم وقتل إنساناً خطأً هذا هو القدر، لكن أين الذي قتل الإنسان بإرادته وبسابق ترصد؟ هذا أيضاً بقدر، لكن الذي أردت بهذه الأمثلة أن أقول: كتب الله على فلان هكذا في اللوح المحفوظ بوفق العلم الإلهي، كتب الله على إبليس أنه سيكون في أسفل سافلين، في الدرك الأسفل من النار، لماذا؟ لأنه يؤمر بالسجود وهو مستطيع فيستكبر على أمر ربه ويقول ناسباً إلى الله الظلم:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}(الإسراء:٦١).
إذاً هو لا يسجد وباستطاعته أن يسجد، فإذاً كُتب من أهل النار بل أشقى أهل النار، لكن على العكس، نرجع الآن لموضوع المعتزلة؛
الذي مات في القطب الشمالي أو القطب الجنوبي ولم يطرق سمعه شيء اسمه دين الإسلام، أو إنسان اسمه محمد بن عبد الله نبي الإسلام ما طرق سمعه فعاش يعبد الأصنام التي كان يعبدها أهل الجاهلية الأولى هل هذا يقال له يوم القيامة: لم كفرت؟ لا. قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}(الإسراء:١٥).
وهذا باب واسع جداً، ولذلك فلا أريد أن أذهب بعيداً عن السؤال. فالمعتزلة وكل الفرق الضالة إذا ضلوا سواء السبيل وظلوا مع المسلمين يقومون بالواجبات الدينية فهم ضالون ولا شك، ولكن لا نخرجهم من دائرة الإسلام إلا بعد إقامة الحجة عليهم، فإذا أقيمت الحجة عليهم فهناك أمران اثنان:
أمر يتعلق برب العالمين، ونحن ما ندري ما سيكون عاقبة أمره عند الله.