إليهم محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ يدعوهم
إلى الله وحده بأن يفردوه بالعبادة-كما أفردوه بالربوبية-وأن لا يدعوا مع
الله أحداً؛ قال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ
لَهُم بِشَيْءٍ}.
وأمر عباده أن يقولوا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. ولا يُصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله تعالى؛ وإلا كان كاذباً, منهياً عن أن يقول هذه الكلمة؛ إذ معناها: نخصك بالعبادة ونفردك بها, وهو معنى قوله: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}. {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}. كما عرف من علم البيان: أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر؛ أي: اعبدوا الله, ولا تعبدوا غيره، واتقوه ولا تتقوا غيره.
فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له, والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده, والاستعانة بالله وحده, واللجوء إلى الله, والنذر والنحر له تعالى, وجميع أنواع العبادات من الخضوع, والقيام لله تعالى, والركوع, والسجود, والطواف, والتجرد عن الثياب, والحلق, والقصر كله لا يكون إلا لله عز وجل, ومن فعل ذلك لمخلوق حي, أو ميت, أو جماد, أو غيره؛ فهذا شرك في العبادة والألوهية, وفي النهي عن ذلك نزل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. وصار من يُفعل له هذه الأمور إلهاً لعابده سواء كان ملكاً, أو نبياً, أو ولياً, أو قبراً, أو غير ذلك, وصار بهذه العبادة, أو بأي نوع منها عابداً لذلك المخلوق, وإن أقر بالله وحده وعبده؛ فإن إقرار المشركين بالله, وتقربهم إليه؛ لم يخرجهم عن الشرك؛ قال الله عز وجل في الحديث القدسي: