للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان هذا شأن من قال عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -: إنه يعلم ما في غد؛ فما بال من يقول: إنَّ من بعض علومه علمَ اللوح والقلم؟! فلا جَرَم أن حَذَّرَنا - صلى الله عليه وآله وسلم - من الغلو في مدحه وتعظيمه؛ فإنه سبب هلاك الأمم قبلنا كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -:

«إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم غلوهم في دينهم».

وأما الصفة الأخرى: فهي كونه - صلى الله عليه وآله وسلم - رسولا ً اصطفاه الله تعالى, وخصه بالوحي وأطلعه على بعض المغيبات, وذلك يستلزم الإيمان بكل ما قاله - صلى الله عليه وآله وسلم - , وصح عنه من التشريعات والأخبار بالمغيبات, سواء كان ذلك موافقاً لعقلك, أو بعيداً عن فهمك وعقلك, يجب الإيمان بذلك كله, فمن لم يكن هذا موقفه معه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فهو لم يؤمن حق الإيمان بأن محمدا ً رسول الله, فما تنفعه هذه الشهادة, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم, وذلك ما يفيد قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ولا شك أن إيمانك وتصديقك بما جاء به محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأمور التشريعية والغيبية-ولو كانت بعيدة عن متناول عقلك-؛ إنما هو من الإيمان بالغيب الذي هو من صفات المتقين في القرآن: {ألم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:١ - ٣). فقف أيها المؤمن عند نص الشارع الحكيم, ولا تُغالِ فيه, ولا تفرط؛ بل وسطاً بين ذلك, لتكون من الناجين عند رب العالمين.

"أصل صفة الصلاة" (٣/ ٨٨١ - ٨٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>