للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصرف النهي الوارد في بعض الأحاديث المتقدمة إلى غير التحريم كيف والأحاديث تؤكد أنه للتحريم كما سبق؟ ولذلك فإني أقطع بأن التحريم هو مذهب الشافعي، لا سيما وقد صرح بالكراهة بعد أن ذكر حديث «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» كما تقدم فلا غرابة إذن إذا صرح الحافظ العراقي- وهو شافعي المذهب- بتحريم بناء المسجد على القبر كما تقدم (ص١٧٠) والله أعلم.

ولهذا نقول: لقد اخطأ من نسب إلى الإمام الشافعي القول بإباحة تزوج الرجل بنته من الزنا بحجة أنه صرح بكراهة ذلك، والكراهة لا تنافي الجواز إذا كانت للتنزيه! قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (١/ ٤٧٤٨):

«نص الشافعي على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزنا ولم يقل قط أنه مباح ولا جائز، والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أحله الله به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد قال تعالى عقب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ... } (١) إلى قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... } (٢) إلى قوله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ... } (٣) إلى آخر الآيات ثم قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (٤).


(١) سورة الإسراء الآية ٢٣. [منه].
(٢) سورة الإنعام الآية ١٥١ [[والحق أن ابن القيم رحمه الله إنما يقصد الآية ٣٣ من سورة الإسراء كما يدل سياق كلامه وليس الآية ١٥١ من سورة الأنعام.]]. [منه].
(٣) سورة الإسراء الآية ٣٦. [منه].
(٤) سورة الإسراء الآية ٣٨. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>