للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئاً ما فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم قال النووي في «شرح مسلم» (٥/ ١٤):

«ولما احتاجت الصحابة (١) والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد (٢)

فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني


(١) عزو هذا إلى الصحابة لا يثبت كما تقدم (- صلى الله عليه وسلم -. . .) فتنبه. [منه].
(٢) في هذا دليل واضح على أن ظهور القبر في المسجد ولو من وراء النوافذ والحديد والأبواب لا يزيل المحذور، كما هو الواقع في قبر يحيى عليه السلام في مسجد بني أمية في دمشق وحلب، ولهذا نص أحمد على أن الصلاة لا تجوز في المسجد الذي قبلته إلى القبر، حتى يكون بين حائط المسجد وبين المقبرة حائل آخر كما سيأتي فكيف إذا كان القبر في قبلة المسجد من الداخل ودون جدار حائل؟ ومن ذلك تعلم أن قول بعضهم:
«إن الصلاة في المسجد الذي به قبر كمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسجد بني أمية لا يقال إنها صلاة في الجبانة فالقبر ضمن مقصورة مستقل بنفسه عن المسجد فما المانع من الصلاة فيه»
فهذا قول لم يصدر عن علم وفقه لأن المانع بالنسبة للمسجد الأموي لا يزال قائما وهو ظهور القبر من وراء المقصورة والدليل على ذلك قصد الناس للقبر والدعاء عنده وبه والاستغاثة به من دون الله، وغير ذلك مما لا يرضاه الله، والشارع الحكيم إنما نهى عن بناء المساجد على القبور سداً للذريعة ومنعاً لمثل هذه الأمور التي تقع عند هذا القبر كما سيأتي بيانه، فما قيمة هذه المقصورة حينئذ مع وقوع هذه المنكرات وغيرها عند القبر؟!
بل إن إحاطة القبر بهذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف، إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتعظيم صاحب القبر بما لا يجوز شرعاً، مما هو مشاهد معروف، وسبقت الإشارة إلى بعضه.
ثم ألا يكفي في إثبات المانع أن الناس يستقبلون القبر عند الصلاة قصداً وبدون قصد، ولعل أولئك المشار إليهم وأمثالهم يقولون: لا مانع أيضا من هذا الاستقبال لوجود فاصل بين المصلين والقبر ألا وهو نوافذ القبر وشبكته النحاسية فنقول لو كان هذا المانع كافيا في المنع لما أحاطوا القبر النبوي الشريف بجدار مرتفع مستدير ولم يكتفوا بذلك، بل بنو جدارين يمنعون بهما من استقبال القبر. ولو كان وراء الجدار المستدير! وقد صح عن ابن جريج أنه قال: قلت لعطاء: أتكره أن تصلي في وسط القبور؟ أو في مسجد إلى قبر؟ قال: نعم كان ينهى عن ذلك أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١/ ٤٠٤).فإذا كان هذا التابعي الجليل (عطاء بن أبي رباح) لم يعتبر جدار المسجد فاصلاً بين المصلى وبين القبر وهو خارج المسجد. فهل يعتبر فاصلاً النوافذ والشبكة والقبر في المسجد؟!
فهل في هذا ما يقنع أولئك الكاتبين بجهلهم وخطئهم، وهجومهم على القول بما لا علم لهم به؟ لعل وعسى.
وأما المسجد النبوي الكريم، فلا كراهة في الصلاة فيه خلافا لما افتروه علينا وسيأتي تفصيل القول فيه في «الفصل السابع» إن شاء الله تعالى.

على أني لا أريد أن يفوتني أن أنبه القراء الكرام على أن أولئك الكاتبين يعترفون بكلمتهم السابقة في أن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر غير محاط بمقصورة أنها صلاة مكروهة لانتفاء العلة التي من أجلها نفوا الكراهة عن الصلاة في مسجد بني أمية بزعمهم فهل لهم أن يجهروا للناس باعترافهم هذا؟ أم هو شيء اضطرهم إلى القول به التهرب من معارضة الأحاديث السابقة علناً وإن كانوا لا يدعون الناس إلى العمل به لغاية لا تخفى على العقلاء؟!. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>