رواه البخاري وغيره، وقد مضى بتمامه في المسألة (١٩)(ص ٢٢)، وترجم له (باب زيارة القبور)، قال الحافظ في (الفتح): (وموضع الدلالة منه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة).وقال العيني في (العمدة)(٣/ ٧٦):
(وفيه جواز زيارة القبور مطلقا، سواء كان الزائر رجلا أو امرأة: وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الفصل في ذلك).
وذكر نحوه الحافظ أيضا في آخر كلامه على الحديث فقال عقب قوله (لعدم الاستفصال في ذلك):
(قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط (١).انتهى).
وما دل عليه الحديث من جواز زيارة المرأة هو المتبادر من الحديث، ولكن إنما يتم ذلك إذا كانت القصة لم تقع قبل النهي، وهذا هو الظاهر، إذا تذكرنا ما أسلفناه من بيان أن النهي كان في مكة، وأن القصة رواها أنس وهو مدني جاءت به أمه أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين قدم المدينة، وأنس ابن عشر سنين، فتكون القصة مدنية، فثبت أنها بعد النهي. فتم الاستدلال بها على الجواز، وأما قول ابن القيم في (تهذيب السنن)(٤/ ٣٥٠): (وتقوى الله، فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها النهي عن الزيارة).فصحيح لو كان عند المرأة علم بنهي النساء عن الزيارة وأنه استمر ولم ينسخ، فحينئذ يثبت قوله:(ومن جملتها النهي عن الزيارة) أما وهذا غير معروف لدينا فهو استدلال غير صحيح، ويؤيده أنه لو كان النهي لا يزال مستمرا لنهاها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الزيارة صراحة وبين ذلك لها، ولم يكتف بأمرها