للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عامة. فيعمل بكل منهما في محله، فهذا الجمع أولى من دعوى النسخ، وإلى نحو ما ذكرنا ذهب جماعة من العلماء، فقال القرطبي: (اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج. وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن، لان تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء).

قال الشوكاني في (نيل الاوطار) (٤/ ٩٥): (وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر) (١).

- ويجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة فقط. وفيه حديثان:

الأول: عن أبي هريرة قال: (زار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبر أمه. فبكى: وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها


(١) وإلى هذا الجمع ذهب الصنعاني أيضا في: (سبل السلام)، ولكنه استدل للجواز بأدلة فيها نظر فأحببت أن أنبه عليها، أولا: حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما (أن فاطمة بنت النبيص كانت تزرو قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي).أخرجه الحاكم (١/ ٣٧٧) وعنه البيهقي (٤/ ٧٨) وقال (وهو منقطع، وسكت عليه الحافظ في (التلخيص) (٥/ ٢٤٨) وتبعه الصنعاني! وسكوت هذين واقتصار البيهقي علي إعلاله بالانقطاع قد يوهم أنه سالم من علة أخرى. وليس كذلك كما سبق بيانه قريبا. ثانيا: حديث البيهقي في (شعب الايمان) مرسلا: (من زار قبر الولدين أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب بارا).سكت عليه الصنعاني أيضا. وهو ضعيف جدا بل هو موضوع، وليس هو مرسل فقط كما ذكر الصنعاني، بل هو معضل لان الذي رفعه إنما هو محمد بن النعمان وليس تابعيا، قال إلعراقي في (تخريج الاحياء) (٤/ ٤١٨): (رواه ابن أبى الدنيا وهو معضل، محمد بن النعمان مجهول).قلت: وهو تلقاه عن يحيى بن العلاء البجلي بسنده عن أبى هريرة أخرجه الطبراني في الصغير (١٩٩) ويحيي كذبه وكيع وأحمد، وقال ابن أبى حاتم (٢/ ٢٠٩) عن أبيه: (الحديث منكرا جدا، كأنه موضوع).

<<  <  ج: ص:  >  >>