نجاسة أرض المقبرة! وهما قولان في مذهب الحنفية، وقد نظر ابن عابدين في «الحاشية»(١/ ٣٥٢) في الثاني منهما، وذلك لأن الاستحالة مطهرة عندهم، فكيف تكون هذه العلة صحيحة؟! ولا شك عندنا أن القول الأول هو الصحيح، وقد بين ذلك شيخ الإسلام في كتبه، واستدل له بما لا تجده عند غيره، فراجع مثلا كتابه:«اقتضاء الصراط المستقيم». (١٥٢،١٩٣)، وعليه مشى في «الخانية» من كتب الحنيفة، وأشار إليه الطحطاوي في حاشيته على «مراقي الفلاح» فقال عند قول الشارح: «وتكره الصلاة في المقبرة»(١/ ٢٠٨): «بتثليث الباء، لأنه تشبه باليهود والنصارى، قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وسواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه، ويستثنى مقابر الانبياء عليهم السلام فلا تكره الصلاة فيها مطلقاً منبوشة أو لا، بعد أن لا يكون القبر في جهة القبلة؛ لأنهم أحياء في قبورهم»!
قلت: وهذا الاستثناء باطل ظاهر البطلان، كيف وهو يناقض العلة التي ذكرها والحديث الذي استدل به عليها، وكيف يصح مثل هذا الاستثناء والأحاديث مستفيضة في لعن أهل الكتاب لا تخاذ قبور أنبيائهم مساجد، ثم صح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نهانا عن ذلك، فالنهي منصب على اتخاذ قبور الأنبياء مباشرة، وغيرهم يلحق بهم، فكيف يعقل استثناؤهم!؟ والحق أن مثل هذا الاستثناء إنما يتمشى مع القول الثاني أن العلة النجاسة، وقبور الانبياء بلا شك طاهرة؛ لأنهم كما قال عليه السلام:«إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»، ولكن هذه العلة باطلة وما بني على باطل فهو باطل (١).
(١) وقد فصلت القول في خطأ الطحطاوي وتناقصه في الاستثناء المذكور في كتابي «الثمر المستطاب في تمه السنة والكتاب». [منه].