«ولهذا كره مالك رضي الله عنه وغيره من أهل العلم لأهل المدينة، كلما دخل أحدهم المسجد أن يجيئ فيسلم على قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصاحبيه، قال: وإنما يكون ذلك لأحدهم إذا قدم من سفر، أو أراد سفراً ونحو ذلك، ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها، وأما قصده دائما للصلاة والسلام فما علمت أحداً رخص به؛ لأن ذلك نوع من اتخاذه عيداً .. مع أنه قد شرع لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»(١) كما نقول ذلك في آخر صلاتنا. قال: فخاف مالك وغيره أن يكون فعل ذلك عند القبر كل ساعة نوعاً من اتخاذ القبر عيداً وأيضا فإن ذلك بدعة؛ فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد كل يوم لعلمهم رضي الله عنهم بما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يكرهه من ذلك وما نهاهم عنه، وإنهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه، وفي التشهد كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته، وما أحسن ما قال مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم، ونقص إيمانهم، عوضوا ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك وغيره لهذا كرهت الأمة استلام القبر وتقبيله، وبنوه بناءً منعوا الناس أن يصلوا إليه، قال:
(١) قلت: لم أر هذه الصيغة في شئ من الأحاديث الواردة في آداب الدخول إلى المسجد والخروج منه، وأخذها من مطلق قوله: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبيص ... » الحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٤١٤) وأبو داود في «سننه» (رقم ٤٦٥)، فمما لا يخفى بعده، لا سيما وقد جاءت الصيغة في حديت فاطمة رضي الله عنها بلفظ: «السلام على رسول الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» أخرجه القاضي إسماعيل (٨٢ - ٨٤) وغيره. وانظر «نزل الأبرار» (٧٢).و «الكلم الطيب» (رقم ٦٣ بتحقيقي وضع المكتب الاسلامي). [منه].