وورد مثل هذا في حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جالساً في نفر من أصحابه، فاستنار نجم، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية؟ " قالوا: كنا نقول: يولد عظيم أو يموت عظيم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فإنها لا يُرْمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء، حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع، فيُرمَون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون"(١).
فمن هذين الحديثين وغيرهما نعلم أن الاتصال بين الإنس والجن واقع، وأن الجني يخبر الكاهن ببعض الأخبار الصادقة، فيضيف إليها الكاهن أخباراً أخرى ملفقة من عنده، فيحدث الناس، فيطلعون على صدق بعضها، ومع ذلك فقد نهى الشارع الحكيم عن إتيان هؤلاء الكهان، وحذر من تصديقهم فيما يقولون، كما مر معنا آنفاً.
وبهذه المناسبة فلا يفوتنا أن نذكر أن الكهانة والعرافة والتنجيم ما يزال لها أثر كبير على كثير من الناس، حتى في عصرنا هذا الذي يدعي أهله أنه عصر العلم والتفكير، والتمدن والثقافة، ويظنون أن الكهانة والشعوذة والسحر قد ولّت أيامها
(١) رواه أحمد في "مسنده" (١/ ٢١٨) ومسلم في "صحيحه" (٧/ ٣٦ و٣٧) والترمذي (٩/ ٩١ - ٩٢ - "تحفة") وغيرهم، (يقرفون) يخلطون فيه الكذب، وضبطها بعضهم (يقذفون) بوزنها ومعناها، ورواها الترمذي بلفظ: (يحرفونه). [منه].