الوجه الخامس: أن في هذه القصة أن الشيطان جاء إليهما وقال: أنا صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة. وهذا لا يقوله من يريد الإغواء، وإنما يأتي بشيء يقرب قبول قوله، فإذا قال:"أنا صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة" فسيعلمان علم اليقين أنه عدو لهما فلا يقبلان منه صرفًا ولا عدلًا.
الوجه السادس: أن في قوله في هذه القصة: "لأجعلن له قرني أيل" إما أن يُصدِّقا أن ذلك ممكن في حقه وهذا شرك في الربوبية، لأنَّهُ لا يقدر على ذلك إلا الله أولا يُصدِّقا فلا يمكن أن يقبلا قوله وهما يعلمان أن ذلك غير ممكن في حقه.
الوجه السابع: قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الأعراف: ١٩٠] بضمير الجمع ولو كان آدم وحواء لقال: عما يشركان.
فهذه الوجوه تدل علي أن هذه القصة باطلة من أساسها، وأنه لا يجوز أن يعتقد في آدم وحواء أن يقع منهما شرك بأي حال من الأحوال، والأنبياء منزهون عن الشرك مبرئون منه باتفاق أهل العلم، وعلي هذا فيكون تفسير الآية كما أسلفنا أنها عائدة إلى بني آدم الذين أشركوا شركًا حقيقيًّا فإن منهم مشركًا ومنهم موحدًا" (١).
ولكن الفريق الثاني - الذين أثبتوا القصة - لهم أدلة ظاهرة كما تبيَّن لنا من قول قتادة ومجاهد وابن جرير الطبري، وقد أوضح قولهم القرطبي فقال:
"قال المفسرون: كان شركا في التسمية والصفة لا في العبادة والربوبية. وقال أهل المعاني: إنهما لم يذهبا إلى أن الحارث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحارث لكنهما قصدا إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد فسمياه به كما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له لا علي أن الضيف ربه كما قال حاتم:
(١) مجموع الفتاوى لابن عثيمين ١٠/ ٨٩٤، ٨٩٥، وانظر القول المفيد ط ١ - ٣/ ٦٧، ٦٨.