أتنكر شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبرأ منها؟ فقل، لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو - صلى الله عليه وسلم -، الشافع المشفع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال الله تعالى {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ}[الزمر: ٤٤].
ولا تكون إلا بعد إذن الله كما قال عَز وجل:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة: ٢٥٥] ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عَز وجل {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: ٢٨] وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال عَز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}[آل عمران: ٨٥].
فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، تبين لك أن الشفاعة كلها لله فاطلبها منه، فأقول اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه فيَّ، وأمثال هذا.
فإن قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله؟
فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن: ١٨] فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك فأطعه في قوله: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، وأيضًا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والأفراط يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟
فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا. بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله""(١).
(١) كشف الشبهات انظر شرحها للشيخ محمد بن عثيمين من مجموع الفتاوى ٧/ ٦٩، ٧٠.