للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وانتشرت دعوته، ودخل الناس فيه أفواجًا فزالت تلك الغربة عنهم، ثم أخذ في الاغتراب والترحل حتى عاد غريبا كما بدأ؛ بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله وأصحابه، هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدًّا وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس" (١).

ومع ابتعاد الناس عن آثار هذه النبوة، وانتشار البدع وفشوها وظهور الجهل، وموت السنن واندثارها يصبح أهل السنة والجماعة هم الغرباء، يقول ابن رجب - رحمه الله - بعد كلام له عن تفرق أهل القبلة بسبب فتنة الشبهات والأهواء المضلة: "فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" (٢)، وهم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في هذه الأحاديث، الذين يصلحون إذا فسد الناس، وهم الذين يُصلِحون ما أفسد الناس من السنة" (٣).

ويقول ابن القيم - رحمه الله - في بيان ذلك: "وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات. ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن نفس ما جاء به: يضاد أهواءهم ولذاتهم، وما هم عليه من الشبهات، والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم، والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإرادتهم" (٤)، وقال قبل ذلك: "فهؤلاء هم


(١) مدارج السالكين ٣/ ٢٩٨.
(٢) أخرجه البخاري (٧١) (٣١١٦) (٣٦٤١) (٧٣١٢) (٧٤٦٠).
(٣) كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة لابن رجب الحنبلي ص ٢٥، ٢٢.
(٤) مدارج السالكين ٣/ ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>