للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن رجب - رحمه الله -: "وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "القصدَ القصدَ تبلغوا" (١) حث على الاقتصاد في العبادة، والتوسط فيها بين الغلو والتقصير، ولذلك كرره مرة بعد مرة. وفي مسند البزار من حديث حذيفة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "ما أحسن القصد في الفقر، وما أحسن القصد في الغنى، وما أحسن القصد في العبادة" وكان لمطرف بن عبد الله بن الشخير ابنًا قد اجتهد في العبادة، فقال له أبوه: خير الأمور أوسطها، الحسنة بين السيئتين، وشر السير الحقحقة. قال أبو عبيدة: يعني أن الغلو في العبادة سيئة، والتقصير سيئة، والاقتصاد بينهما حسنة. قال: والحقحقة أن يلح في شدة السير حتى تقوم عليه راحلته وتعطب فيبقى منقطعًا به سفره .. ويشهد لهذا المعنى الحديث المروي عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق" (٢)، ولا تبغض إلى نفسك عبادة اللهَ، فإن المنبت لا سفرًا قطع ولا ظهرًا أبقى. فاعمل عمل امرئ يظن أنه لن يموت إلا هرمًا، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غدًا" أخرجه حميد بن زنجويه وغيره (٣).

وفي تكريره أمره بالقصد إشارة إلى المداومة عليه، فإن شدة السير والاجتهاد مظنة السآمة والانقطاع والقصد أقرب إلى الدوام ولهذا جعل عاقبة القصد البلوغ كما قال: "من أدلج بلغ المنزل" (٤) " (٥).

فالأصل في العبادة الإخلاص والمتابعة، قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف:


(١) أخرجه البخاري (٦٤٦٣)، والإمام أحمد (١٠٦٨٨).
(٢) أخرجه الإمام أحمد (١٣٠٨٣).
(٣) أخرجه البيهقي ٣/ ١٩، وانظر مجمع الزوائد ١/ ٦٢.
(٤) الحديث أخرجه الترمذي (٢٤٥٠) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".
(٥) المحجة في سير الدلجة ضمن مجموعة رسائل الحافظ ابن رجب ص ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>