ولهذا يقيم أكابر فضلائهم مدة يطلبون الفرق بين المعجزات والسحر، فلا يجدون فرقًا إذْ لا فرق عندهم في نفس الأمر، والتحقيق أن آيات الأنبياء مستلزمة للنبوة ولصدق الخبر بالنبوة، فلا يوجد إلا مع الشهادة للرسول بأنه رسول لا يوجد مع التكذيب بذلك، ولا مع عدم ذلك البتة، وليست من جنس ما يقدر عليه لا الإنس ولا الجن، فإن ما يقدر عليه الإنس والجن يفعلونه فلا يكون مختصا بالأنبياء.
ومعنى كونها خارقة للعادة: أنها لا توجد إلا للنبوة لا مرة ولا أقل، ولا أكثر، فالعادة هنا تثبت بمرة، والقاضي أبو بكر يقول: إن ما فعل مرات يسيرة لا يكون معتادًا، وفي كلامه في هذا الباب من الاضطراب ما يطول وصفه، وهو رأس هؤلاء الذين اتبعوه كالقاضي أبي يعلى وأبي المعالي والرازي والآمدي وغيرهم.
وما يأتي به السحرة والكهان يمتنع أن يكون آية لنبي بل بل هو آية على الكفر، فكيف يكون آية للنبوة، وهو مقدور للشياطين، وآيات الأنبياء لا يقدر عليها جن ولا إنس، وآيات الأنبياء آيات لجنسها فحيث كانت آية لله تدل على مثل ما أخبرت به الأنبياء، وإن شئت قلت: هي آيات لله يدل بها على صدق الأنبياء تارة، وعلى غير ذلك تارة، وما يكون للسحرة والكهان لا يكون من آيات الأنبياء، بل آيات الأنبياء مختصة بهم.
وأما كرامات الأولياء فهي أيضًا من آيات الأنبياء فإنها إنما تكون لمن تشهد لهم بالرسالة فهي دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوة، وأيضًا فإن كرامات الأولياء معتادة من الصالحين ومعجزات الأنبياء فوق ذلك، فانشقاق القمر والإتيان بالقرآن، وانقلاب العصا حية، وخروج الدابة من صخرة لم يكن مثله للأولياء، وكذلك خلق الطير من الطين، ولكن آياتهم صغار وكبار قال الله تعالى: