ولا بد من مراعاة اختلاف حال الهاجرين أنفسهم، من حيث القوة والضعف، والقلة والكثرة.
فإذا كانت الغلبة والظهور لأهل السنة، كانت مشروعية "هجر المبتدع" قائمة على أصلها، وأما إن كانت القوة والكثرة لأهل البدع، ولا حول ولا: إلا بالله، فإنه لا يحصل المقصود الشرعي للهجر، فلا المبتدع ولا غيره يرتدع بذلك، بل يخشى من زيادة الشر وتفاقمه، وبالتالي لا يشرع الهجر، وإنما يلجأ إلى مسلك التأليف.
وفي كل هذه الأحوال لا بد من الدعوة إلى السنة والحث، والنهي عن البدعة والتحذير منها، بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتالي هي أحسن، وتحمل الأذى في ذلك والصبر، باحتساب المثوبة والأجر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:"فإذا لم يكن في هجرانه - أي المبتدع - انزجار أحد ولا انتهاء أحد بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها، لم تكن الهجرة مأمورا بها كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية. فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم، سقط الأمر بفعل هذه الحسنة. وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف، ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي. وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة، فلو ترك رواية الحديث عنهم لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم. فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرًا من العكس. ولهذا كان الكلام في هذه المسألة فيه تفصيل"(١).
السابع: التفريق بين من كان داعية إلى بدعته، وبين من ليس كذلك.