للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويقول الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "إن أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصًا، وبالنسبة إلى الاعتقاد في الغير عموما، فإن سيد البشر مع إعلامه بالوحي يجري الأمور على ظاهرها في المنافقين وغيرهم، وإن علم بواطن أحوالهم، ولم يكن ذلك بمخرجه عن جريان الظاهر على ما جرت عليه. لا يقال: إنما كان ذلك من قبيل ما قال: "خوفًا من أن يقول الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" فالعلة أمر آخر لا ما زعمت، فإذا عدم ما علل به فلا حرج. لأنا نقول: هذا أدل الدليل على ما تقرر، لأن فتح هذا الباب يؤدي إلى أن لا يحفظ ترتيب الظواهر فإن من وجب عليه القتل بسبب ظاهر، فالعذر فيه ظاهر واضح، ومن طلب قتله بغير سبب ظاهر بل بمجرد أمر غيبي ربما شوش الخواطر وران على الظواهر، وقد فهم من الشرع سد هذا الباب جملة ألا ترى إلى باب الدعاوي المستند إلى أن: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر)، ولم يستثن من ذلك أحدا حتى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتاج في ذلك إلى البينة، فقال من يشهد لي؟ حتى شهد له خزيمة بن ثابت فجعلها الله شهادتين فما ظنك بآحاد الأمة، فلو ادعى أكذب الناس على أصلح الناس لكانت البينة على المدعي، واليمين على من أنكر وهذا من ذلك والنمط واحد، فالاعتبارات الغيبية مهملة بحسب الأوامر والنواهي الشرعية" (١).

ومن الأحاديث في هذا الباب حديث جارية معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفلا أعتقها؟ قال: "إئتني بها"، فأتيته بها فقال لها: "أين الله؟ ". قالت: في السماء، قال: "من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" (٢).

قال شيخ الإسلام في تعليقه على هذا الحديث " ... فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا، هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام، فالمسمى واحد في الأحكام


(١) الموافقات للشاطبي ٢/ ٢٧١، ٢٧٢.
(٢) أخرجه مسلم كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة رقم ٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>