للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الموجب، وغلطوا في ذلك، وهذا الباب غلطت فيه القدرية والجبرية أتباع "جهم" والقدرية النافية" (١).

وقال رحمه الله: "فمن قال ليس للمخلوق على الخالق حق يسأل به كما روى أن الله تعالى قال لداود: "وأي حق لآبائك عليّ" فهو صحيح إذا أريد بذلك أنه ليس للمخلوق عليه حق بالقياس والاعتبار على خلقه كما يجب للمخلوق على المخلوق وهذا كما يظنه جهال العباد من أن لهم على الله سبحانه حقا بعبادتهم، وذلك أن النفوس الجاهلية تتخيل أن الإنسان بعبادته وعلمه يصير له على الله حق من جنس ما يصير للمخلوق على المخلوق كالذين يخدمون ملوكهم وملاكهم فيجلبون لهم منفعة ويدفعون عنهم مضرة ويبقى أحدهم يتقاضى العوض والمجازاة على ذلك ويقول له عند جفاء أو إعراض يراه منه ألم أفعل كذا يمن عليه بما يفعله معه وإن لم يقله بلسانه كان ذلك في نفسه، وتخيل مثل هذا في حق الله تعالى من جهل الإنسان وظلمه ولهذا بين سبحانه أن عمل الإنسان يعود نفعه عليه وأن الله غني عن الخلق كما في قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:٧]، وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)} [فصلت: ٤٦] " (٢).

قال ابن القيم رحمه الله: "أخبر سبحانه في كتابه أنه كتب على نفسه الرحمة وهذا إيجاب منه على نفسه فهو الموجب وهو متعلق الإيجاب الذي أوجبه، فأوجب بنفسه على نفسه، وقد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى بما يوضحه كل الإيضاح ويكشف حقيقته بقوله في الحديث الصحيح: "لما قضى الله الخلق بيده على نفسه في كتاب


(١) مستفاد من تيسير العزيز الحميد ص ٦٥، ٦٦، وانظر منهاج السنة لابن تيمية ٥/ ٣٠٠ - ٣٦٠.
(٢) التوسل والوسيلة ص ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>