للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بذلك وهم يفعلون ذلك بحسب ما يسره الله لهم ويقدره لهم ليس هو من باب التكليف الذي يمتحن به العباد.

وحينئذ فسؤال السائل للميت لا يؤثر في ذلك شيئًا؛ بل ما جعله الله فاعلا له هو يفعله وإن لم يسأله العبد؛ كما يفعل الملائكة ما يؤمرون به، وهم إنما يطيعون أمر ربهم لا يطيعون أمر مخلوق كما قال سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء:٢٦ - ٢٧] فهم لا يعملون إلا بأمره سبحانه وتعالى.

ولا يلزم من جواز الشئ في حياته جوازه بعد موته، فإن بيته كانت الصلاة فيه مشروعة وكان يجوز أن يجعل مسجدًا، ولما دفن فيه حرم أن يتخذ مسجدًا كما في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" -يحذر ما فعلوا ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدًا. وفي صحيح مسلم وغيره عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - في حياته يصلى خلفه وذلك من أفضل الأعمال، ولا يجوز بعد موته أن يُصلى الرجل خلف قبره وكذلك في حياته يطلب منه أن يأمر وأن يفتى وأن يقضى، ولا يجوز أن يطلب ذلك منه بعد موته وأمثال ذلك كثير" (١).

وقال رَحِمَه الله في موضع آخر: "فلا يقول أحد: يا ملائكة الله اشفعوا لي عند الله، سلوا الله لنا أن ينصرنا أو يرزقنا، أو يهدينا. وكذلك لا يقول لمن مات من الأنبياء والصالحين: يا نبي الله، يا رسول الله! ادع الله لي، سل الله لي، استغفر الله لي، سل الله لي أن يغفر الله لي أو يهديني أو ينصرني أو يعافيني، ولا يقول أشكو إليك ذنوبي


(١) مجموع الفتاوى ١/ ٣٥٤، ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>