للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهُ: زَعَمَ أَقْوَامٌ أَنَّ الله خَلَقَ جِبْرِيلَ بِيَدِهِ، فَأَجَابَ: وَرَدَ فِيهِ أَثَرٌ غَرِيبٌ" (١).

وَسَيَأْتِي عِنْدَ الكَلَامِ عَنْ مَنْهَجِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الجَامِعِ الصَّحِيحِ مَزِيدُ أَمْثِلَةٍ تَشْهَدُ بِبَرَاعَتِهِ فِي التَّصْحِيحِ وَالتَّضْعِيفِ، وَتَمَكُّنِهِ مِنْ صِنَاعَةِ النَّقْدِ وَالتَّعْلِيلِ، مَعَ مَعْرِفَةٍ وَاطِّلَاعٍ كَبِيرَيْنِ عَلَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ النُّقَّادِ قَبْلَهُ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَالإِحَاطَةِ بِأَوْهَامِ النُّسَّاخِ، وَعِنَايَتِهِ بِإِصْلَاحِ التَّصْحِيفِ وَالتَّحْرِيفِ الوَاقِعَيْن فِي الْمُتُونِ وَالأَسَانِيدِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الرُّوَاةِ.

وَفِي شِقِّ الدِّرَايَةِ - الَّذِي هُوَ مَدَارُ ثَمَرَةٍ عِلْمِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ - كَانَ إِمَامُنَا التَّيْمِيُّ عَلَى دَرَجَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الإِتْقَانِ، وَتَصَدِّيهِ لِشَرْحِ أَحَادِيثِ الجَامِعِ الصَّحِيحِ لِلْبُخَارِيِّ أَبْرَزُ مَظَاهِرِ عِنَايَتِهِ بِذَلِكَ، وَتَجَلَّتْ عَبْقَرِيَّتُهُ فِي فِقْهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي نَهَضَ لِشَرْحِهَا، فَذَكَرَ شَوَارِدَهَا، وَقَيَّدَ أَوَابِدَهَا، وَأَبَانَ عَنْ قَدَمٍ رَاسِخِ فِي اسْتِنْبَاطِ المَعَانِي، وَاسْتِخْرَاجِ الفَوَائِدِ.

وَقَدْ رَضِيَ الأَئِمَّةُ قَوْلَهُ فِي شَرْحِ الحَدِيثِ، وَقَبِلُوا كَلَامَهُ فِيهِ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ نُقُولِهِمْ مِنْ كُتُبِهِ، وَعِنَايَتِهِمْ بِتَقْيِيدِ فَوَائِدِهِ فِيهِ، فَهَذَا ابْنُ الْمُحِبِّ الْمَقْدِسِيُّ يَنْقُلُ عَنْهُ جَمْعَهُ بَيْنَ حَدِيثَيْنِ، قَالَ : " قَالَ إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ الحَافِظُ: "وَوَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ خَبَرِ ابن مَسْعُودٍ وَبَيْنَ خَبَرٍ حُذَيْفَةَ: أَنَّ التَّصْوِيرَ يَكُونُ عِنْدَ انْقِضَاءِ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَنَفْخَ الرُّوحِ يَكُونُ بَيْنَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ" (٢).


(١) المصدر السابق (١/ ٣٦٤).
(٢) صفات رب العالمين، لابن المحب المقدسي (١/ ٢٩٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>